Article informationعلى الرغم من تراجع أسعار الذهب عالمياً، شهدت مصر يوم الجمعة الماضي ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار المعدن الأصفر.
إذ سجل غرام الذهب عيار 21 في بداية تداولاته يوم الجمعة الماضي، الحادي والعشرين من يناير/كانون الثاني، 3,410 جنيهات، ليصل عصر اليوم نفسه إلى حوالي 3600 جنيه.
ونتيجة لذلك، اُضطر بعض أصحاب متاجر الذهب إلى إيقاف عمليات البيع والشراء، مؤقتاً، لحين استقرار الأسعار، ليستقر السعر نهاية اليوم ذاته عند 3,525 جنيهاً لغرام الذهب عيار 21.
وهذه ليست المرة الأولى التي يُوقف فيها التداول على أسعار الذهب في مصر، فخلال الشهر الماضي أوقف أصحاب محال الذهب عمليات البيع والشراء.
ويقول المهندس سعيد إمبابي المدير التنفيذي لمنصة "آي صاغة" الإلكترونية لتداول أسعار الذهب لبي بي سي "أوقفنا البيع والشراء (الشهر الماضي) لأن سعر غرام الذهب زاد بنسبة 10 في المئة خلال 24 ساعة فقط، وهذا غير مقبول، لأنه توجد بيانات عرض وطلب ضرورية".
وخلال العامين الماضيين، سجلت أسعار الذهب قفزات غير مسبوقة؛ ففي شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2022، كان يصل سعر الجنيه الذهب (عيار 21) إلى حوالي 11,000 جنيه مصري. وقد وصل سعره الآن إلى 30,645 جنيها.
ويوضح إمبابي أن سعر صرف الدولار هو أحد العوامل التي أدت إلى ارتفاع أسعار الذهب في مصر.

ما مدى ارتباط الذهب بسعر صرف الدولار؟
يستورد تجار الذهب في مصر كميات كبيرة من الذهب عن طريق شرائه من البورصات العالمية.
وفي هذا السياق، يقول المهندس سعيد إمبابي إنه يتم تسعير الذهب في البورصات العالمية، مقابل سعر الدولار، حيث تساوي أوقية الذهب الواحدة ألفي دولار أمريكي.
ويحتاج التجار في مصر توفير دولارات لاستيراد كميات كبيرة من الذهب، في وقت تواجه البلاد نقصاً كبيراً في العملة الصعبة.
ويقول المهندس لطفي منيب، نائب رئيس الشعبة العامة للذهب والمجوهرات باتحاد الغرف التجارية لبي بي سي: "في السابق كانت البنوك توفر الدولار للتجار لاستيراد كميات الذهب التي يحتاجون إليها"، لكن الوضع تغير حالياً، "فالبنوك لا توفر عملة صعبة، ويُطلب من التجار توفيرها"، ولذلك يضطرون إلى توفير احتياجاتهم من الدولار من السوق الموازية.
ولذلك يقول المدير التنفيذي لمنصة "أي صاغة" إن وجود أكثر من سعر للدولار في السوق الموازية وفي البنوك، ساهم في صعود أسعار الذهب.
ووصل سعر صرف الدولار في السوق الموازية حاليا إلى 65 جنيهاً مصرياً تقريبا، بينما يظل السعر الرسمي عند حوالي 31 جنيهاً.
ويرى الدكتور رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن بعثة صندوق النقد الدولي التي تزور مصر حالياً لبحث تحرير سعر الصرف "أثارت ذعراً بين التجار ورجال الأعمال".
ويضيف: "التجار يحاولون تأمين أنفسهم وبالتالي يرفعون أسعارالذهب ويقيمونه بسعر أعلى من سعر الدولار في السوق الموازية، خوفاً من تعويم الجنيه قريباً، وارتفاع سعره مجدداً في السوق الموازية".

"ملاذ آمن"
ومع انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى أكثر من مرة خلال فترة قصيرة، أصبح المصريون يبحثون عن ملاذ آمن لحماية مدخراتهم.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور رشاد عبده إن الناس عادة يلجأون إلى الذهب في وقت الأزمات، لأنه يحمي الأموال من التضخم، أيضا بسبب "مكاسبه الكبيرة".
ويرى الدكتور حسن الصادي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، في حديثه لبي بي سي، أن انخفاض قيمة الجنيه أصاب المواطنين "بالذعر"، مضيفاً أن هناك "هروباً جماعياً من انخفاض قيمة الجنيه إلى شراء ذهب".
ويتابع: "بدلا من أن يضع المصريون 10 في المئة من مدخراتهم في الذهب، أصبحوا يضعون 20 في المئة".
ويرى إمبابي، الرئيس التنفيذي لمنصة "آي صاغة"، أن أحد أسباب ارتفاع سعر الذهب في الوقت الحالي هو عامل العرض والطلب، في وقتٍ يقبل المصريون بكثافة على شراء المنتجات الذهبية.
لكن إمبابي يقول أيضاً إن بعض التجار يستغلون الأزمة الحالية في ظل غياب بيانات العرض والطلب، الأمر الذي يرفع أسعار الذهب بشكل مفاجئ.
وأوضح قائلاً: "أنا لا أقصد هنا أصحاب متاجر الذهب، ولا أصحاب المصانع، إنما أشير إلى التجار الكبار المتحكمين في الذهب الخام الذين يحركون سعره بدون أي معنى".

هل هناك "مضاربة" في أسعار الذهب؟
نفى المهندس لطفي منيب، نائب رئيس الشعبة العامة للذهب والمجوهرات لبي بي سي أن يكون لتجار الذهب الخام دور في تحريك سعره أو ما يسمى بـ "المُضاربة" فيه.
وأوضح: "إن الإقبال على المصوغات الذهبية كبير للغاية، وفاق الكمية المعروضة من الذهب الخام لدى التجار، في وقت لا يستطيعون استيراد الذهب وهم يرغبون في تعويض الكميات المبيعة منهم بالشراء من المتاح في السوق المحلية، والذي لا يتناسب حجمه مع الطلب، مما يتسبب في ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه، وبما يفوق الأسعار العالمية".
وفي الأيام القليلة الماضية، أعلنت السلطات المصرية عن إلقاء القبض على تاجر ذهب خام معروف في منطقة الجمالية، إحدى مناطق الصاغة الشهيرة بالعاصمة المصرية القاهرة.
ووفقا لبيان أصدرته وزارة الداخلية المصرية، تقول التحريات الأمنية إن التاجر، الذي عُرف إعلامياً بـ "إمبراطور الذهب"، أنشأ ما يشبه بورصة لأسعار الذهب، وكان واحداً من الذين يحددون الأسعار، ما أدى إلى وصول أسعار الذهب إلى أرقام قياسية، وفقا لبيان الوزارة.
"اكتناز الذهب يعطل دورة الحياة الاقتصادية"
ومع الارتفاعات المفاجئة والمضطربة في أسعار الذهب، دعا الصادي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، إلى تقنين تداول الذهب في مصر، لأنه "يعطل دورة الحياة الاقتصادية".
وأضاف: "من الممكن أن توقف الحكومة تعاملات الذهب الذي يستخدم في الزينة واكتناز الثروات لمدة عامين لحين تحسن الوضع الاقتصادي وتجاوز الأزمة الحالية".
ويرى الصادي أن الذهب ليس من السلع الأساسية، ويمكن استخدامه فقط للأغراض الضرورية كصناعة الأدوية. كما أن الإقبال بكثافة على شرائه أدى إلى "الضغط على الدولار" في السوق الموازية.
كما ربط المدير التنفيذي لمنصة "آي صاغة" استقرار سعر صرف الدولار في السوق الموازية باستقرار سعر الذهب، موضحا أنه "إذا استقر سعر صرف الدولار في السوق الموازية، سيستقر سعر الذهب عند مستويات ثابتة".
وتتهم الحكومة المصرية من تسميهم "تجار العملة" بالاتجار غير المشروع في النقد الأجنبي خارج نطاق السوق المصرفية الرسمية، ومن ثم تخزين أموال نقدية بالدولار.
وقد شنت الأجهزة الأمنية المصرية، خلال الآونة الأخيرة، حملات عدة استهدفت الأشخاص الذين يتاجرون بشكل غير مشروع في العملات النقدية الأجنبية.
أزمة اقتصادية طاحنة
وتعاني مصر من أزمة اقصادية كبيرة خلال السنوات الأخيرة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وأزمة استيراد الحبوب، بالإضافة إلى تداعيات وباء كورونا.
كما تعاني البلاد منذ العام الماضي من شح في العملة الصعبة (خاصة الدولار)، بعدما شهدت الخزينة المصرية نقصاً واضحاً في احتياطي النقد الأجنبي، ما تسبب في أزمات عدة على رأسها تعثر الاستيراد، في بلد يعتمد بشكل كبير على السلع القادمة من الخارج.
في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تعيشها مصر، جاءت الحرب في قطاع غزة لتضيف تحدياً جديداً إلى الاقتصاد المصري.
إذ تأثر الاقتصاد بالحرب الدائرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر في الجوار، وانخفضت عائدات قناة السويس، أحد أكبر مصادر الدخل القومي المصري، بنسبة وصلت إلى 40 في المئة نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، وفق بيان رسمي، نتيجة هجمات جماعة الحوثيين اليمنية على سفن تجارية جنوبي البحر الأحمر، وتقول الحركة إنها تستهدف السفن المتجهة فقط إلى إسرائيل، بسبب "هجومها على قطاع غزة"، وفقا للحركة.
ncG1vNJzZmivp6x7o67CZ5qopV%2BWv6KuyJxmmqqknrCtsdJomqVtYK6FcsTZbaio